إن الله، الذي تداخل المرة بعد المرة ليشهد من السماء لابنه الحبيب، يسكت في تلك الساعة وفي ذلك اليوم، ونحن نعرف لماذا! ومع ذلك فإن براءة الرب يسوع في حياته على الأرض وفي مماته، تبرهنت أحد عشرة مرة بواسطة الإنسان: مرة بفم يهوذا ( مت 27: 4 )، وسبع مرات بفم بيلاطس ( لو 23: 4 ، 14، 15، 22؛ يو19: 4، 6؛ مت27: 24)، ومرة بواسطة زوجة بيلاطس ( مت 27: 9 )، ومرة بواسطة اللص التائب ( لو 23: 41 )، ومرة أخيرة بواسطة قائد المائة ( لو 23: 47 ).
ورغم كل ذلك، فإن ذلك الوالي القاسي الذي كان معهودًا فيه الجبروت والظلم، وقد شهد سبع مرات أن هذا الذي يتهمونه بما يستحق الموت، بريء، وكان يمكنه أن يستند إلى موقف هيرودس، أو إلى تحذير امرأته، أو إلى ما حل بيهوذا الذي أسلمه شهادة على براءته، ولكنه لم يفعل، بل بالحري استسلم للجمهور لأنه رأى «أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا» ( مت 27: 24 ). وهذه العبارة تُرينا الضعف الأدبي عند هذا الوالي. كان يخشى هياج الشعب، لأنه كان يخاف على منصبه. كان يحب العالم ومجد الوظيفة «كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ» ( مر 15: 15 )، فحكم لهم بما طلبوه. ولما نطق بالحكم وغسل يديه إشارة إلى براءته، صاح جميع الشعب وقالوا تلك العبارة الخطيرة: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا» ( مت 27: 25 ).
والله الذي يعرف كل كلمة في أفواهنا، في طول أناته، أعطى ذلك الشعب أربعين سنة كلها نعمة، بعد هذا الحكم الذي قبلوه على أنفسهم «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا». لكن عندما انتهت سنوات هذه النعمة، جاءت على الذين لم يقبلوا الإنجيل، اللعنة التي أرادوها لأنفسهم حرفيًا. ويقول التاريخ إن مليون يهودي قُتلوا عندما أخرب تيطس أورشليم. وإلى يومنا هذا لم يَزَل ذلك الشعب التعيس الأعمى يرزح تحت هذه اللعنة.