الإمرأة التي من بيت عنيا ـــــ هي “مريم أخت لعازر” كما نعرف من يوحنا 12. ربما لم تكن هي نفسها تعرف أهمية ومغزى العمل الذي عملته. وربما دفعتها إلى ذلك غريزتها الروحية، مُدركة الكراهية القاتلة التي تُحيط بمَن أحبته، ولذلك «جَاءَتِ ... وَمَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ» (ع3). وقد أساء “قَوْمٌ” (البعض) فَهْمَ ما فعلته المرأة. ويُعرِّفنا متى 26: 8 أن المعترضين كانوا “تَلاَمِيذُه“ـ ويُضيف يوحنا أن يهوذا الخائن هو الذي تزعم المعارضين، وذلك ـــــ ليس لأنه كان يفكر في الفقراء ـــــ بل بصفة خاصة في المال، فذكر أنه «قَالَ هَذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ» ( يو 12: 6 ). وقد دافع الرب عنها، وكان هذا كافيًا. وقد قَبِل ما فعلته وثَمَّنَه غاليًا لتقديره له بحسب فهمه هو، وليس بحسب إدراكها هي، مع أنها كانت ـــــ في رأينا ـــــ أذكى التلاميذ جميعًا. ولنا أن نرى في هذا التقدير الحلو، الطريقة الكريمة الذي سيقدر بها أعمال قديسيه عندما يقفون أمام كرسيه للمكافأة.
وكان دفاعه عنها أنها «قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!» (ع6)، وأنها «عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا (ما قَدِرت عليه)» (ع8)، وهو مدح ثمين. بل أضاف: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ (المرأة)، تَذْكَارًا لَهَا» (ع9). وإلى اليوم يَعرِف الملايين اسمها، ويتذكَّرون ما فعلته. وقد مضى على هذه الحادثة عشرون قرنًا، وما زال اسمها مُكرَمًا، بينما يُذكَر “يهوذا” مرتبطًا بالعار والخزي، وصار اسمه مرادفًا للخِسة والخيانة.