«لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا» ( يو 4: 10 ). هذه الآية العظيمة تقسم نفسها إلى مقاطع ثلاثة، كل مقطع فيها يعطينا فكرة هامة:
أولاً: أن الله مُعْـطـٍ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ»: كثيرون لا يعرفون عن الله سوى أنه مُطالبٌ، لكن ما أقل مَن عرفوا أنه مُعطٍ. كثيرون يعرفونه كالمنتقم، لكن ما أقل مَن عرفوه كالمُحب.
ثانيًا: طريق وصول العطية إلينا: «وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ»: من هذا المقطع نفهم أن عطية الله العظمى هذه ما كان ممكنًا أن تصل إلينا إلا عن طريق المسيح. فما كان يكفي أن يكون الله غنيًا أو مستعدًا للعطاء فقط، بل كان يلزم أن تصل إلينا عطيته، نحن الذين كنا بعيدين عنه جدًا. وحيث أنه لم يمكننا نحن أن نصل إلى الله لنأخذ عطيته، فإن المسيح نفسه قد أتى إلينا من السماء ليكون هو طريق وصول العطية إلينا. وفي سبيل ذلك اتضع جدًا، وافتقر إلى الغاية. لذلك يقول للسامرية: «وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ؟». بل لقد قَبِلَ أن يمضي إلى الصليب، ومن فوق الصليب صرخ قائلاً: «أَنَا عَطْشَانُ» ( يو 19: 28 ).
ثالثًا: العطية ذاتها: «لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا»: ما أعظم هذه العطية؛ الماء الحي! إن الإنسان الطبيعي لا يقدر أن يستغني عن الماء الحرفي أكثر من ثلاثة أيام، وبعدها يموت. لكنك أحوج إلى عطية المسيح، الذي يعطي الماء الحي، قبل أن تمضي إلى بيتك الأبدي، لتُقاسي هناك من العطش إلى أبد الآبدين، إذا كنت بدون المسيح. لقد قال ـــــ له كل المجد ـــــ «أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا» ( رؤ 21: 6 ). فاطلب ذلك منه الآن!