في إشعياء 30: 15 ذكَّر الرب الشعب بأنهم لو رجعوا إليه، واستقرُّوا في محضره، لخلَّصهم من أعدائهم "بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ". فلو كانوا هادئين ومطمئنين بين يديه، لكانت لهم قوة كافية. ولكن، كما قال لهم الرب راثيًا: "فَلَمْ تَشَاءُوا. وَقُلْتُمْ: لاَ بَلْ عَلَى خَيْل نَهْرُبُ" (ع15، 16). فبدلاً من الرجوع إلى الرب، يهربون من أعدائهم (ع17). وبعد ذلك نقرأ: "وَلِذلِكَ يَنْتَظِرُ الرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ" (ع18). لقد كان الرب ينتظر أن يفشل الشعب في طرقه القائمة على الاكتفاء الذاتي، ويبدأوا يثقون به - تبارك اسمه - وعندئذٍ فقط يتيحون له أن يتراءف عليهم ويرحمهم.
ويا ليتنا لا نخف الاختبار المُذِل المتمثل في وصولنا إلى نهاية مواردنا الذاتية، فالله يسمح لنا بأن نفشل لكي يُنقذنا من أنفسنا فنختبر هذا الحق: "طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ" (ع18). إن انتظار الرب المؤسَّس على الثقة لهو ضرورة حتمية لتلقي إرشادات الربّ "أُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: هذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ. اسْلُكُوا فِيهَا. حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَسَارِ" (ع21). كم من المرات ضللنا إلى اليمين أو إلى اليسار، لأنَّ قلوبنا أهملت الإصغاء إلى هذا الصوت، الصوت الأمين والمألوف لنا!
إن الرب لا يزال ينتظرنا: فهلا تتحرك ضمائرنا ونعود إليه، وتتبرهن توبتنا وتغييرنا، فنطرح بعيدًا كل ما لا يتفق مع كلمة الله (ع22)، فنتمتع بشركة دائمة غير منقطعة معه، ولنتطلَّع إليه بإيمان بسيط، وقد انقطعنا عن كل مجهودٍ ذاتي، ورفضنا ترجيّ المعونة من غيره، لنجد قوة كافية لرفعنا فوق التجربة، ولنجد فيه - تبارك اسمه - كل ما نرجُو وأكثر من تعزية (ع18-20)، وإرشاد (ع21)، وطهارة (ع22)، وثمر (ع23-26)، ونصرة (ع27-33)، وأخيرًا الأغاني (ع29).