في أصحاح الإيمان الشهير في الرسالة إلى العبرانيين، أوضح الرسول مجالين لعمل الإيمان: الأول هو "الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى"، والثاني هو "الإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" ( عب 11: 1 ). هذا معناه أن الإيمان يعمل في دائرتين: غير الحادث، أو المستقبل، وغير المنظور، أو الروحي. الإيمان يُمكِّن الشخص المؤمن من أن يرى المستقبل كما يرى الحاضر، والذي لا يُرى كأنه يُرى. بعبارة أخرى، إن الإيمان هو تليسكوب يقرِّب البعيد، وهو أشعة إكس يكشف بواطن الأمور.
وكم نحتاج في هذا العالم الخادع الزائل إلى عمل الإيمان في هذين المجالين. والإيمان، مع إبراهيم خليل الله، جعله يرى البعيد، فرأى المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبَارِئُهَا الله. والإيمان مع موسى رجل الله، جعله يرى أن التمتع بالخطية في قصر فرعون، وتحت إمرته كل خزائن مصر، إنما هو تمتع وقتي، وبالتالي لا يستحق من العاقل أن يهيم به. وأن تضعف عيون إيماننا وتظلم، فهذا يقودنا إلى التعثُّر، وهذا ما حدث مع آساف في مزمور73.
ونحن حقًا بحاجة إلى منظار الإيمان. إن الإيمان في القلب يجعل صاحبه يرى العالم الآخر، فتكون النتيجة أن يحتقر ملذَّات العالم الحاضر الوقتية والزائلة. وهذا ما جعل أبرام يقنع بسُكنى الخيام، وجعل موسى العظيم يختار الذل على النعيم. فلقد كان الأول "يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ"، وأما الثاني فقد "كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ".
عزيزي القارئ: ماذا في هذا العالم يجعلك تهيم به؟ "كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ" ( 1يو 2: 16 ، 17). فهل تخدعك تلك الشهوات؟ إن كنت تشعر بأنك مغلوب، وقد نجح الشيطان في أن يجعلك عبد الأشياء، فاطلب من الرب أن يزيد إيمانك "وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" ( 1يو 5: 4 ).