كفَّ شاول عن البحث عن أُتن أبيه، واقترح على خادمه أن يعود إلى المنزل، ولكن الغلام، الخادم الحقيقي، كانت معرفته تتجاوز معرفة ابن قيس الأثير، فأخبر شاول أن صموئيل النبي يقطن في هذا المكان، واقترح أن يذهبا ويستفسرا منه عن مكان الأُتن، عوض التعب والمجهود الضائعين. ويبدو أنه لم يخطر لشاول أدنى فكر بأن يستشير الله في هذا الأمر، بل وأظهر جهلاً بوجود نبي الله صموئيل. وشأنه شأن كل مُتديِّن بشري، كان على قناعة أن مثل هذا التصرُّف لا بد له من دفع مقابل. وأَليست هذه هي صورة الإنسان الطبيعي؟! إنه يُريد أن يُقدِّم مُقابلاً لله عوض أي شيء يُحصِّله منه! وهو لا يعرف شيئًا عن قلب الله المُفعم بالعطاء، والذي يُسرّ أن يُعطي مجانًا للمُفلِّسين العاجزين.
واعترف شاول بإفلاسه، مما مهَّد السبيل لغلامه بأن يُقدِّم له ربع شاقل فضة، والتي تُذكِّرنا بنصف الشاقل من فضة الكفَّارة، والتي كان على كل إسرائيلي أن يدفعها. ولسنا نعلم تحديدًا فكر الغلام من جهة هذا الأمر. ولسنا نعلم كذلك إذا كان النبي أخذ الفضة فعلاً، فإن الدرس الذي نتعلَّمه هنا: إن أي اقتراب إلى الله، وأي إطلاع على فكره، ينبغي أن يكون على أساس الكفَّارة.
وهكذا اقترب شاول وغلامه من المدينة حيث كان رجل الله. وسرعان ما وجدوا بغيتهم. ولا شك أن كل ذلك كان مرتبًا من قِبَل الله. وهكذا أرشدت فتيات خارجات لاستقاء الماء شاول وغلامه إلى النبي. وهذا منظر مألوف في معظم المدن، وكثيرًا ما يُشير إليه الكتاب. فالبئر حيث الماء صورة لكلمة الله التي تستقي من ينابيع الخلاص، والفتيات تُذكِّرنا بالضعف والاتضاع والاتكال على الله؛ الحال الوحيد الذي يُمكن معه الاستقاء من ينابيع الخلاص.