يبدو أن هناك شيئًا من التناقض في هذا المطلب أن "نخاف الله". لأنه من ناحية مكتوب: "لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ" ( رو 8: 15 )، ومن الناحية الأخرى مكتوب: "لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ" ( 2كو 7: 1 ). وتؤكد الآية التي نحن بصددها الآن على السير "فِي خَوْفِ الرَّبِّ"، فهي توضح لنا طابع حياة السلوك التقوي الذي ننتهجه بتوجهنا نحو جلال سلطان الله المُطلَق وقداسته الفريدة كالخالق والحامل كل الأشياء بكلمة قدرته. لذلك يقول المرنم: "اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ارْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ" ( مز 96: 9 ).
من الواضح أن "رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ" ( أم 1: 7 ) و"بَدْءُ الْحِكْمَةِ" ( أم 9: 10 ) و"أَدَبُ حِكْمَةٍ" ( أم 15: 33 )، كلها في "مَخَافَةُ الرَّبِّ". ومن الواضح أيضًا أن "مَخَافَةُ الرَّبِّ" تتشبه بكراهية الله للشر "مَخَافَةُ الرَّبِّ بُغْضُ الشَّرِّ. الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَظُّمَ وَطَرِيقَ الشَّرِّ وَفَمَ الأَكَاذِيبِ أَبْغَضْتُ" ( أم 8: 13 ).
أما من يخاف الرب فيتمتع أيضًا بثقة شديدة "فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ" ( أم 14: 26 )، وبشبع ورضى ثابتين طوال الحياة "مَخَافَةُ الرَّبِّ لِلْحَيَاةِ. يَبِيتُ شَبْعَانَ لاَ يَتَعَهَّدُهُ شَرٌّ" ( أم 19: 23 ). وبلا شك أن هذا الخوف الإلهي يَعْدنا بطول الأيام "مَخَافَةُ الرَّبِّ تَزِيدُ الأَيَّامَ، أَمَّا سِنُو الأَشْرَارِ فَتُقْصَرُ" ( أم 10: 27 )، ليكون "يَنْبُوعُ حَيَاةٍ" يحفظنا من "أَشْرَاكِ الْمَوْتِ" "مَخَافَةُ الرَّبِّ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِلْحَيَدَانِ عَنْ أَشْرَاكِ الْمَوْتِ" ( أم 14: 27 ).
إن معرفة الله لا بد أن تنتج فينا "خُشُوعًا" (أي خوف إلهي) ونحن نخدم في ملكوته؛ خوفًا مِن قدرته وقداسته وكمال علمه "لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى" ( عب 12: 28 ).