إن محبة المسيح لنا ليس لها نظير على الإطلاق. إنها أعظم من محبة أشقائنا. فمع أن "الأَخُ لِلشِّدَّةِ يُولَدُ" ( أم 17: 17 )، لكن لا يقدر الأخ أن يموت عن أخيه "الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً ... وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ" ( مز 49: 7 ، 8). ولكن الموت كفارة تحت الدينونة هو ما عمله الرب يسوع.
ومحبة المسيح ليس لها نظير عند الآباء؛ "إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي" ( مز 27: 10 ). ومحبة المسيح أعظم من محبة الأمهات الحنائن "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هَؤُلاَءِ يَنْسِينَ" ( إش 49: 15 ). بل إننا نقرأ في مراثي 4: 10 إن "أَيَادِي النِّسَاءِ الْحَنَائِنِ طَبَخَتْ أَوْلاَدَهُنَّ. صَارُوا طَعَامًا لَهُنَّ". وفي 2ملوك 6: 29 نقرأ قول الأم: "سَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ".
إن محبة البشر عاجزة لا يمكن أن تصل لمستوى الحب الأعظم للرب. فداود أحب أبشالوم وأوصى قواد الجيش أن يترفقوا بالفتى. ولما جاء المُخبر يبشره بموت أبشالوم، قال: "يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضاً عَنْكَ!". لكنها تمنيات لم تتحقق. أما محبة الرب فلم تكن بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق.
محبة البشر متغيرة: لابان أحب يعقوب وقبّله، وزوَّجه بنتيه، لكن بعد ذلك لم يكن وجهه كأمس ولا أول من أمس، وتحوّل من العطف إلى القسوة، ومن المحبة إلى الكراهية، ومن الترحيب إلى الطرد. أما محبة المسيح فثابتة، لأنه ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. ومحبته لا حدود لها "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا". والبرهان أنه "وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ". أحيانًا نقيس محبة الرب بإحساناته الزمنية، لكن المقياس هو الصليب.