"لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ" ... عودة قليلة لهذه الآية في القرينة تُعرّفنا خريطة العمل الصحيحة التي يجب السير على نهجها ليرضى السَيِّد عن قيامنا:
أولاً: عندما سمع نحميا الأخبار المؤسفة والمزعجة من حناني، راح بالقضية لينشرها بقلب مسكوب أمام إله السماء. وهذه هي المحطة الأولى الرئيسية في خريطة العمل: "لَمَّا سَمِعْتُ هذَا الْكَلاَمَ جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلهِ السَّمَاءِ" ( نح 1: 4 ). وامتلأ قلبه بالمشورة العميقة لا من الناس، ولا حتى من الأعمدة والمُعتبرين، ولكن من الرب مباشرة. فنسمعه يقول: "ثُمَّ قُمْتُ لَيْلاً أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي، وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلهِي فِي قَلْبِي لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ" ( نح 2: 12 ).
مما سبق نتيقن أن أولى خطوات القيام والبناء هي الجلوس طويلاً في محضر الرب، واستقاء المشورة منه ليدلي السيد بالخطوات الصحيحة للعمل، الواحدة تلو الأخرى.
ثانيًا: لقد مرَّ نحميا متأملاً بثلاثة أبواب قبل أن يبدأ العمل. أولاً: بَابِ الْوَادِي، ومن حيث أن الْوَادِي في الكتاب يرمز إلى الاتضاع، فهو يكشف لنا حالة قلب متضع تقي يُقرّ أمام فاحص القلوب ومُختبر الكلى: "وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا" ( 2أخ 20: 12 ). ثم مرَّ ببَابِ الدِّمْنِ، وهو الباب الذي تخرج منه نفايات المدينة، وكأن صرخة عميقة خرجت من قلب كسير: "اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" ( مز 139: 23 ، 24). ثم مرَّ ببَابِ الْعَيْنِ، الذي يشير إلى عمل وأفراح الروح القدس، فلننصت إلى التحريض: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" ( أف 5: 18 ).
فيا مَن تنشدون مملوئين بالأمل، ويا مَن يهيب بنا الروح القدس: "لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ"، هيا نمُر بهذه المحطات الثلاث: القلب المنكسر والمنسحق، ونقاء القلب، والامتلاء بالروح.