لم تكن هناك صعوبة في جمع القثاء البري. وبالرغم من أنه كان زمن جوع إلا أن هذا الرجل جمع منه بكل سهولة "مِلْءَ ثَوْبِهِ، وَأَتَى وَقَطَّعَهُ فِي قِدْرِ السَّلِيقَةِ". ولقد اُكتُشِفَ هذا الطعام السام عندما "صَبُّوا لِلْقَوْمِ لِيَأْكُلُوا"، فصرخوا جميعًا: "فِي الْقِدْرِ مَوْتٌ يَا رَجُلَ اللَّهِ! وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَأْكُلُوا". فالطعام الذي كان ينبغي أن يكون مصدرًا لحفظ الحياة، أصبح - بتداخل الإنسان - وسيلة للموت وتدمير الحياة. والقوم، وإن كانوا لم يعرفوا الكيفية التي يواجهون بها هذه الحالة، لكنهم إذ تنبهوا لها وأحسوا بها، اتجهوا فورًا إلى رجل الله لإرشادهم. ولم يكن اتجاههم إلى أليشع عبثًا لأنه كان لديه من موارد السماء ما يواجه به كل حاجة، فكان لديه الترياق الفعال لهذا السم القتال، فقال: "هَاتُوا دَقِيقًا". وبمجرد أن أُلقيَّ الدقيق في الْقِدْرِ لم يبقَ فيها موت بعد. وألا نرى في الدقيق إشارة إلى شخص المسيح؟
إن أفكار الطبيعة البشرية، وحكمة وفلسفة الإنسان، وأركان العالم، وديانة الجسد - هذه الأشياء كلها - يحاول الإنسان أن يُضيف شيئًا منها إلى ما أعده الله لسد حاجة شعبه، لكن هذه الأشياء كلها يكشفها ويُصححها تقديم شخص المسيح وحده. وهذا ما فعله الرسول بولس لمنع القثاء البري الذي كان يتهدد المؤمنين في كولوسي، فبعدما كشف لهم العناصر السامة، من الكلام الملق الخداع، والفلسفة الباطلة، والتقاليد البشرية كحفظ أيام وشهور وسنين، والتواضع الظاهري الكاذب، وعبادة الملائكة، وغيرها، قدَّم لهم المسيح كعلاج حاسم، إذ قال عن هذه الأشياء كلها إنها "لَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" ( كو 2: 8 ). نعم، قدَّم المسيح كمن "هُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ" ( كو 1: 18 )، وبهذا العمل كان كمن ألقى الدقيق في القدر. ويقول لنا إن كل ما نحتاج إليه مُذخَّر لنا في المسيح وحده "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ (كاملون) فِيهِ ... بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ" ( كو 2: 9 ، 10؛ 3: 11).