يتغنى بنو قورح في مزمور84 بمساكن الرب، ويُظهرون أشواقهم لديار الرب، ويطوّبون الساكنين في بيت الرب "أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ" (ع4). غير أنهم يُعطون انتباهاً أحرى لمذابح الرب، إذ نسمعهم يقولون: "الْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا، وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلهِي" (ع3).
ما الذي يتمناه العصفور بعد يوم طويل يقضيه في الانتقال هنا وهناك بحثًا عن طعامه؟ إنه يتمنى بيتًا يهجع إليه في نهاية يومه، يجد فيه راحته وهدوءه. إن ما يجده العصفور في بيته، يجده بنو قورح في مذابح الرب! ولكن لماذا يتكلَّمون عن المذابح بصيغة الجمع؟ في الواقع إن بيت الرب يحوي مذبحين، وليس مذبحًا واحدًا: مذبح المُحرقة في الدار الخارجية، ومذبح البخور في القدس؛ المذبح النحاسي والمذبح الذهبي.
في المذبح الأول نجد أساس القبول أمام الله؛ العلاج الإلهي المُقدَّم لكل إنسان أثيم يرزح تحت ثقل خطاياه. إنه يُكلِّمنا عن صليب المسيح، ويكشف لنا قلب الله "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" ( يو 3: 16 ). يكشف لنا عن علاج الله لمرض الخطية المزمن "دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" ( 1يو 1: 7 ). يكشف لنا أن الطريق لله صار مُمهَّدًا بعد أن كان مغلقاً "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" ( عب 10: 19 ، 20).
أما المذبح الثاني فنجد فيه الإنسان ساجدًا يُصعِد بخورًا عطرًا في أنف الله. إن ما شعر به من إحسان الله في المذبح الأول يجعله يقدم شكرًا وسجودًا في المذبح الثاني. وهكذا نستمع إلى تحريض الرسول بولس "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ" ( عب 13: 15 ).