الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 7 إبريل 2016 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
اعتراف آساف بالجهل
أَنَا بَلِيدٌ وَلاَ أَعْرِفُ. صِرْتُ كَبَهِيمٍ عِنْدَكَ ( مزمور 73: 22 )
بعد اختبار آساف المُحزن في مزمور 73، وإذ عملت التوبة عملها الحقيقي في قلبه، فقد انسابت كلمات الاعتراف من فمه، فلم يعترف بالحيرة فحسبْ (ع21)، بل اعترف أيضًا بالجهل (ع22)، فقال: «أنا بليدٌ ولا أعرف. صِرتُ كبهيمٍ عندكَ». ونحن ليس من السهل علينا أن ندعو أحد رجال الله أنَّه بهيم، ولكن آساف، بروح التوبة والحزن على ما صدر منه، هو الذي دعا نفسه هكذا.

والمرنِّم هنا عندما شبَّه نفسه بالبهيم، كأنَّه يقول: عندما لم أهتم سوى بالأمور الحسيَّة، وظننت أنَّ الإنسان جسد فحسبْ، فلقد صرت أحمق. لقد صرت كبهيمٍ عندما لم أعتبر سوى الجسد وراحته ومُتعته، ونسيت القلب والروح وبهجة علاقتهما بالله. عندما لم أعتبر سوى اللحظة الحاضرة، ولم أفكِّر في الأبديَّة، عندئذٍ كنت أتصرَّف مثل البهيم. نعم، عندما سمحت لمثل هذه الأفكار أن تعشِّش في رأسي: أنَّ التقوى لا فائدة منها، كنت كبهيمٍ عندك!

لقد كرَّم الله الإنسان، وأعطاه نسمة الحياة، أعطاه أن يفهمه ويكون قريبًا منه. قال أليهو: «لكن في الناس رُوحًا، ونسَمَة القدير تُعقِّلهم» ( أي 32: 8 )، وقال سليمان الحكيم: «اتَّقِ الله واحفَظ وصاياهُ، لأن هذا هو الإنسان كُله» ( جا 12: 13 )، ولكن عندما لا يهتم الإنسان بشيء في الدنيا سوى إمتاع الجسد، فما الذي يُميِّزه عندئذ عن البهائم التي تُباد؟! كما يقول المرنِّم: «إنسانٌ في كرامة، ولا يفهم، يُشبِه البهائم التي تُبَاد» ( مز 49: 20 ).

بيد أن آساف لم يخطئ الفكر من جهة الإنسان فحسبْ، بل أيضًا من جهة الله. كأنَّه قال في جهله، وهو خارج المقادس: “إن الطاعة للرب لا تساوي تكاليفها”. آه، ما أسوأ فكر كهذا! وما أخطره! فلا عجب أنَّه عندما استرَّدَ وعيه الروحي، اعترف بكلِّ الصِدق وقال: «أنا بليدٌ ولا أعرف. صِرتُ كبهيمٍ عندكَ».

ولاحظ أنَّه يقول: « صِرتُ كبهيمٍ عندكَ»، أو بَهِيم “أمامك” (ترجمة تفسيرية). وهذا معناه أنَّه كان أمام الله عندما سمح لأفكاره أن تسرَح في كل اتجاه، ولخيالاته المغلوطة أن تُعَربِد في رأسه. ولهذا فإنَّني أُذكِّر القارئ بحنَّة أُم صموئيل، التي كانت تستشعر عِلم الله بكل ما نقول أو ننطق به، فقالت: «لا تُكَثِّروا الكلام العالي المُستعلِي، ولتبرَح وقاحةٌ من أفواهكم. لأن الرَّب إلهٌ عليمٌ، وبهِ توزَنُ الأعمال» ( 1صم 2:  3).

ليتنا نأخذ من تصرُّف آساف ومن توبتهِ درسًا وعِبرة!

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net