«فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ» ... ما معنى هذه الكلمات؟ هل تعني أن محبة الله لنا تظهر بإعطائه لنا وصاياه؟ أم تعني أن محبتنا لله تظهر بحفظنا وصاياه؟ أو نقول بعبارة أخرى: هل محبة الله المُشار إليها يُقصَد بها محبته هو لنا، أم محبتنا نحن له؟
وإجابة عن هذا السؤال نقول: إن “محبة الله” المُشار إليها هنا تتضمن المعنيين؛ فبالمعنى الأول أي محبته هو لنا نتعلَّم أنه كنتيجة لمحبته لنا يُعطينا وصاياه لنحفظها، عالمين أنه لم يضعها على أولاده كعقوبة، أو هي حرمانات وحواجز ومضايقات حِملها ثقيل، لكن بواسطتها يُرشِد الله أولاده بعينه؛ عين المحبة. فبتعاليمه يُوجّه أولاده إلى الأمور الصالحة، ويبعدهم عن كل شر، ويقودهم في طرق البر والحكمة، ويُنمي فيهم حياة المسيح، تلك الحياة التي كل مسرته أن يراها واضحة على الأرض. إذن فمحبة الله هي التي تُصيغ كل وصية، وهو في جميع وصاياه يعطف على أولاده، ويعرف جبلتهم، ويذكر أنهم تراب، ولكن يعمل دائمًا على نموهم في النعمة. من أجل هذا نقول حقًا إن هذه الوصايا تأتي بها إلينا محبة إلهنا. وطالما نمتلئ بالشوق لعمل وصاياه، فإن هذه الوصايا لا تظهر ثقيلة علينا، بل نُرحب بها كبرهان محبته لنا.
ولكن “محبة الله” المذكورة في هذه الآية قد تعني أيضًا محبتنا لله. وتأييدًا لهذا الفكر نلاحظ أنه في العدد السابق يأتي نفس هذا المعنى: «بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ» (ع2). في هذا العدد نرى أن محبتنا لأولاد الله، ومحبتنا وطاعتنا لله نفسه، يسيران جنبًا إلى جنب. ومحبتنا لله يجب ألا تكون نظرية عقلية، بل عملية وثابتة «يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!» ( 1يو 3: 18 ).