كان التلاميذ مؤمنين أن يسوع هو الملك. وكان قادة الأمة يكرهون يسوع، ولهذا فإنهم أرادوا قتل الملك بأي ثمن للتخلص منه، وأما مريم فإنها إذ اعتبرت أن يسوع هو الملك فقد قالت، بلسان حالها، إن لم يكن بفمها فعلاً: «مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ» ( نش 1: 12 ).
ونحن لا نقول إن مريم كانت نبية، ولا أنها كان لها علم بتفاصيل ما كانت ستسفر عنه الأيام القليلة التالية، لكننا نعتقد أن قلبها الذي كان مُثبتًا على الرب يسوع، استشعر اقتراب ساعة الظلمة الحالكة، كما أنها علمت عن يقين أن مَن كان الأشرار مزمعين أن يُكلّلونه بالشوك ويقتلونه، هو ملكها، ولذلك فإنها بادرت ودهنت بالطيب هذا الرأس الملكي. ويمكن القول إن الرب هنا أضاف إلى عمل مريم ما كان يتجاوز إدراكها في ذلك الوقت. ونحن نذكر أنه في الأصحاح السابق (مت 25)، أضاف الملك إلى عمل الخراف الذين عن اليمين بُعدًا تجاوز إدراكهم، إذ حسب أن ما فعلوه مع البقية التقية كان له شخصيًا، وهكذا على ما يبدو هنا مع مريم.
ولقد امتدح الرب ما عملته مريم مدحًا رباعيًا فقال: (1) «عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!» ( مت 26: 10 ): هنا نرى التقدير لشخصه. (2) «فَعَلَتْ ذَلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي» ( مت 26: 12 ): وهنا نرى إدراكها لغرض التجسد، وهو موته فوق الصليب. (3) «عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا» ( مر 14: 8 ): أو كل ما تمتلك، هنا نجد تكريسها، والسجود للرب دائمًا مُكلف (قارن تك22). (4) «يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَارًا لَهَا» ( مت 26: 13 ): أي أن عملها هو عمل ممدوح، ذو تأثير باقٍ ودائم.
ولأن ما عملته مريم هنا يعتبر صورة لسجود المؤمنين حول الرب يسوع، فيمكننا أن نطبق هذا المدح الرباعي على سجود القديسين الآن للمسيح.