إن قصة موسى العجيبة تبدو أمام العقل البشري كأنها ضرب من الخيال. لقد وزن مجد مصر، وبفطنة من الله رأى أنه يكتسب أكثر إذا رفض كل ذلك المجد. لقد كان من المُحتمل أن يصير ملكًا على مصر، ولكنه صمم على أن يعطي ظهره للعظمة والمجد العالمي، ويلقي قرعته مع شعب مُستعبد! ولماذا فعل موسى هكذا؟ إن الجواب نجده في أربع كلمات تبين لنا التدرج الجميل في تصميمه الخطير هذا: هذه الكلمات هي: «أَبَى ... مُفَضِّلاً ... حَاسِبًا ... يَنْظُرُ».
إنه لم يعتبر العظمة الأرضية، ولم يرَ نفسه في حاجة إليها. لقد علم أن المدينة التي تربى فيها كانت بلا إله ومُعادية لشعب الله. ثم كان هناك مؤثر آخر غير بيت فرعون، وهو أمه التقية، التي أرشدته إلى وضعه الصحيح وما يجب أن يوجه إليه قلبه وحياته، لذلك عندما التفت إلى هنا وهناك كشاب ( خر 2: 12 )، لم يرَ في شعب الرب جماعة من العمال المحتقرين، بل رأى «إِخْوَتِهِ» ( خر 2: 11 ).
لقد امتلأت نفس موسى بحساب أن عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر. لم يكن موسى يدرك شيئًا عن إتيان الرب يسوع إلى العالم، لكنه أراد لنفسه حياة إنكار النفس واحتقار الأشياء الدنيوية، وسلك في هذا الطريق باختياره «لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» وهذا عين ما حسبه بولس عندما قال: «إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي» ( في 3: 8 ).
أيها الأخ العزيز: هل عملت حسابًا كهذا؟ إن مباهج العالم ومقتنياته لا تزال جذابة، والمؤمن الذي يَعرِض عنها، يُنظَر إليه من الناس كأنه جاهل أو خيالي. ولكن إذا عملنا حساب الأشياء التي تحت الشمس في نور الأبدية وفي نور كرسي المسيح وفي نور الجلجثة، لا بد وأن يُشبه حسابنا حساب مُوسَى وبُولُس.