ما أروع الطريقة التي واجه بها يوحنا المعمدان الأسئلة المختلفة التي طُرحت أمامه! والسؤال الأول الذي كان على خادم المسيح العزيز والمُكرَّم أن يُجيب عليه، كان عن نفسه «مَنْ أَنْتَ؟»، وقد أجاب على هذا السؤال باقتضاب شديد «فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ».
كان المعمدان على استعداد أن يقول لهم حالاً، إنه ليس المسيح، وأنه ليس إيليا، وأيضًا أنه ليس النبي «فَقَالَ: لَسْتُ أَنَا». ولكنهم كانوا يريدون ردًا إيجابيًا، «فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟» ( يو 1: 19 -23ٍ).
إن ما قاله يوحنا عن نفسه كان قليلاً حقًا. إن كلمة «أَنَا» لم يكن لها إلا مكان صغير جدًا في تفكير يوحنا المعمدان «قَالَ: أَنَا صَوْتُ»! «صَوْتُ» ... هل كان هذا هو كل شيء؟! نعم كان هذا هو كل شيء! لقد سبق أن تكلم الروح عنه على فم إشعياء النبي ( إش 40: 3 )، وأجاب يوحنا بنفس هذه الكلمات دون أن يعلق عليها بكلمة. يا له من خادم مبارك! ويا لها من شهادة أمينة! يا ليت لنا قدرًا أكبر من صفات هذا المتواضع العظيم، ومن طريقة إجابته على الأسئلة!
لم يكتفِ هؤلاء الفريسيون بذلك. إن روح إنكار يوحنا المعمدان لذاته، كانت أسمى من تفكيرهم «فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ: فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ؟»» (ع25). وهنا أجابهم يوحنا المعمدان باختصار «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ» (ع26، 27). فعن نفسه قال إنه مجرد صوت، وعن عمله قال أنا أعمد بماء، وكان في منتهى السرور أن لفت الأنظار إلى ذلك الشخص المبارك، الذي لم يكن مستحقًا أن يحل سيور حذائه!
حقًا إننا نحتاج إلى تعلّم هذا الدرس بشدة في أيام الإدعاء الكاذب التي نعيشها.