من خلال هذه القوانين وشبيهاتها انتحل الملوك الفُرس لأنفسهم مكانًا خاصًا بالله وحده، ذاك الذي ينطبق عليه وحده القول: «أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ» ( مز 16: 11 )، وله وحده الحق في القول: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» ( خر 33: 20 ). هو الوحيد الساكن« فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ» ( 1تي 6: 16 ).
لكن العجب وكل العجب، أن هذا الإله المخوف القدوس، سرَّ بأن يُعلِن لنا ذاته في شخص ابنه، ربنا يسوع المسيح. لقد صنع ما هو أكثر بكثير من مجرد مدّ قضيبًا من ذهب لفرد معيَّن وجد نعمة في عينيه، هنا أو هناك ( أس 4: 11 ( عب 12: 20 )، لكنه يدعو الآن كل إنسان ليأتي إليه بكامل حريته. فهو يُسرّ بأن يُعلِن نعمته لكل البشر، بل ولأكثرهم عدم استحقاق، في تباين رائع مع ذلك الزمان الذي فيه «إِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ تُرْجَمُ أَوْ تُرْمَى بِسَهْمٍ» (عب12: 20).
لكن الأكثر عجبًا أننا كأولاده الآن، نستطيع أن نقترب إليه بأحزاننا ومشاكلنا واحتياجاتنا، حتى ونحن “لابسون المسوح”، لكن دون خوف «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ ... يَسُوعُ ابْنُ اللهِ ... قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا»، لذلك فنحن مدعوون لأن «نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» ( عب 4: 14 -16). إنه يُسرّ بأن يُريحنا ويُساعدنا، بأن يُحوِّل نحيبنا إلى سرور، يُبدِل مسوحنا بثياب الملك والعيد، وأن يفعل ما لم تستطع أستير أن تفعله لِمُرْدَخَاي فلقد «اغْتَمَّتِ الْمَلِكَةُ (أَسْتِيرُ) جِدًّا وَأَرْسَلَتْ ثِيَابًا لإِلْبَاسِ مُرْدَخَايَ، وَلأَجْلِ نَزْعِ مِسْحِهِ عَنْهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ» ( أس 4: 4 ). إنه ـــــ تبارك اسمه ـــــ يُمكنه أن يُعطي «جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ» ( إش 61: 3 ).