نهر صِدق الله يسير باستمرار ولا يتوقف، إذا رأته العين أو إذا اختفى عن الأنظار، ونحن أمام ظلم يوسف وسجنه طول هذه السنوات نتساءل قائلين: أين صِدق الله؟ وهل ذهبت الأحلام هباء؟
عند البئر، وفي بيت فوطيفار، وفي السجن، طوال هذه الفترة القاسية، كان النهر يجري، ولكن في الخفاء، كان يندفع وبقوة للأمام. صحيح، كان يوسف خلالها مُحتقرًا ومسحوقًا ومظلومًا، لكنْ أخيرًا أتَت اللحظة، وعاد النهر يسير في العلَن وأمام الناس. إذ حَلَقَ يوسف وأبدَل ثيابه، وأُصعد من بيت السجن إلى العرش، ليملك مُلكًا ويتسلَّط تسلُّطًا ( تك 41: 38 –44).
عجبًا أيها الصِدق الإلهي الجميل، في سرعتك كم أنت كاسح وعارم، مُرهب وقوي، هائل ومتدفق! لا تقف أبدًا، ولا يقف أحد أمامك ليمنعك. مهما تمهَّلت، فأنت لا تتأخر أبدًا؛ وإذا ما اختفيت عن الأعين لحظة، تعود وتظهر من جديد بسرعة. إذا ما قال الله، فأنت لا بدَّ أن تفعل، مهما طالت الأيام ومَرَّت السنون، لا بُدَّ أن تَفي كل قول أو وعد إلهي عظيم. إن تحقيق المواعيد ليس أمامك بِمُستحيل؛ حتى من السجن تُخرِج إلى السُّلطة والمُلك العظيم.
إذا تكلَّم الله بكلمة أو قدَّم وعدًا أو كشف عن قصد لنا، ودارت عجلة الزمن وطالت الأيام والسنون، ولم نحصد سوى الريح أو ربما التجريح، دعونا نتذكَّر صِدق الرب السَيِّد العظيم: «لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟» ( عد 23: 19 ).
لم يكن سبب ارتفاع يوسف من السجن إلى المُلك إلَّا لأن الله قصدَ، وكان صادقًا فيما وعد، وهكذا سيكون نحـوَنـا صادقًا أيضًا، مهما تغيَّرت الظروف أو تبدَّلت الأحوال.