تنازل الرب في نعمته ليحضر وليمة، دعاه إليها سمعان الفريسي. وبينما كان الرب متكئًا على المائدة، إذا بضيف غير مرغوب فيه يدخل إلى المكان، هي تلك المرأة التي شهد الرب عنها أنها: «أَحَبَّتْ كَثِيرًا». ونحن نتساءل كيف تولدت تلك المحبة في نفس خاطئة كهذه؟ فالوحي يصفها بأنها: «امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً». كان سمعان يعرف أنها خاطئة، وكل شخص يعرف هذا الأمر.
لقد كانت خاطئة تنوء تحت حمل ثقيل، ولكن يقينًا وصلتها كلمات الرب العجيبة: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» ( مت 11: 28 ). ومما لا شك فيه أنها رأت في المسيح النعمة التي بها يُبارك غير المستحقين، فجاءت مدفوعة بحاجتها، مُنجذبة بنعمته، وبجرأة الإيمان دخلت، واتخذت مكانها عند قدمي يسوع. ويقينًا اندهش الحاضرون وتساءلوا ماذا سيحدث؟ هل سيكشف الرب خطاياها ويطردها من محضره؟ وما أروع طرق الله! ففي البداية لم يتفوََّه أحد بكلمة. فالضيوف كانوا صامتين مُتعجبين، والرب كان صامتًا في نعمته، والمرأة كانت صامتة في حزنها. ولم يقطع هذا السكون سوى أنين وتنهدات تلك المرأة الخاطئة الباكية، التي انكسر قلبها أمام ذاك الذي يشفي المنكسري القلوب. فدموعها كانت تتحدث عن قلب قد كُسِر، وقبلاتها تتحدث عن محبة شافية قد عالجته.
ولكن ما الذي كسر قلبها؟ وما الذي شفاه؟ أ ليست هي قداسته ونعمته؟ لقد أدركت تعاستها في ضوء قداسته، وبذات القدر أدركت نعمته التي تستر وتغفر لأشر الخطاة. الأولى جعلتها تبكي بمرارة، والثانية جعلتها لم تكف عن تقبيل رجليه. وهكذا الأمر معنا أيضًا. فليتنا نقترب من محضره، فنكتشف أن ذاك الذي يعرفنا أكثر مما نعرف نحن أنفسنا، يحبنا بلا حدود.