منذ ثلاثة آلاف سنة أُعطيت هذه الكلمات إلى شعب الله الأرضي، ولكنها إلى هذا اليوم تحتفظ بطبيعتها كمبدأ واجب التطبيق على حياة المؤمن في هذه الأيام كما نرى في الإشارة التي أوردها بطرس قائلاً: "نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" ( 1بط 1: 15 ، 16). وكان بطرس طبعًا يشير إلى هذه الوصية. فما يردده رسول العهد الجديد إنما هو وصية إلهية إلى جميع أولاد الله في كل زمان. وجوهر هذه الوصية أن الله القدوس يطلب القداسة. وما هي القداسة؟ يمكن تعريفها بكل بساطة بأنها: الانفصال والافتراز؛ الانفصال عن الخطية والشر في جميع أشكالهما، الانفصال عن كل شر أدبي أو روحي من أي نوع كان.
إن القداسة الحقيقية ليست هي مجرد المظاهر التقوية، ولا هي مجرد قداسة كلامية، لأن كثيرين جدًا يتكلَّمون بلغة مقدسة في حين أن حياتهم العملية تختلف جدًا عن لغتهم. كما أن القداسة الحقيقية ليست مسألة ممارسات دينية شكلية. إن الذهاب إلى اجتماعات العبادة أمر ضروري ولازم لكنه في ذاته ليس هو القداسة. إن القداسة الحقيقية هي الابتعاد عن الخطية وليس أقل من ذلك. إنها الانفصال عن الشر أولاً بالقلب والذهن، وثانيًا بالحياة العملية.
والقداسة ليست وصية إلهية فقط بل هي أيضا جوهر لازم لكل حياة مسيحية "الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ" ( عب 12: 14 ). إن قداستنا ليست في أنفسنا بل في المسيح. لقد قبلنا الآب كقديسين في المسيح، وبالتبعية ينبغي أن نعيش منفصلين. والانفصال معناه الابتعاد عن كل ما هو خطية، وعن كل ما يُنجِّس وعن كل ما يُضاد مشيئة الله. هذه القداسة العملية من عمل الروح القدس الساكن فينا وتتحقق عن طريق الخضوع له.