"مخافة الرب" تعني التوقير العميق لله، الذي يقود إلى كراهية الشر، وممارسة طاعة تامة لشخصه. وهي نتيجة لتقدير عظمته، لكونه كلي القدرة وكلي العلم، وكذلك لمحبته التي تفوق الإدراك البشري. ومخافة الرب دائمًا ما تكون مصحوبة بمحبة للرب؛ محبة تجعل الطاعة بهجة، وليست عبئًا. هذه المحبة تطرد النوع الخاطئ من الخوف "لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ" ( 1يو 4: 18 ).
لقد برهن يوسف على مخافته للرب عندما كان عبدًا في بيت سَيِّده، وأيضًا عندما أصبح حاكمًا مؤثرًا في مصر. في الحالة الأولى أعطته مخافة الرب النصرة على تجربة زوجة سَيِّده له، التي حاولت أن تغريه ليزني معها. فكان جوابه "كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" ( تك 39: 7 -9).
بعد ذلك، عندما صار حاكمًا في مصر وجاء إخوته، ماعدا بنيامين، ليشتروا قمحًا، ولم يعرفوه، لكنه هو عرفهم. وفي دفاعهم عن الاتهام الموَّجه إليهم باعتبارهم جواسيس، ذكروا أن لديهم أخ أصغر في البيت. فيوسف الذي كان قلبه مشتاقًا لأن يرى أخاه بنيامين، قال لهم أنه لن يصدقهم إلا إذا أتوا بأخيهم الأصغر. فقرر أن يعود واحد منهم بالقمح الذي اشتروه ويأتي بأخيهم الأصغر، بينما يبقى العشرة الآخرون في السجن إلى أن يؤتى بأخيهم الأصغر إلى مصر، وإلا اعتبروا جواسيس "فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: افْعَلُوا هَذَا وَاحْيُوا. أَنَا خَائِفُ اللهِ" ( تك 42: 16 -18). فلأنه خائف الله، قرر أن يُبقي على أحدهم في السجن، بينما يرد العشرة إلى البيت، ليُحضروا أخاهم الصغير إليه (ع19). فمخافة الرب حرَّرته من أن يكون قاسيًا حتى مع أولئك الذين لم يظهروا له أية رحمة.