الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 3 مارس 2023 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الابن الأصغر والابن الأكبر
"قَالَ لأَبِيهِ: هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هَذَا عَدَدُهَا، وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ، وَجَدْيًا لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي" ( لوقا 15: 29 )
حينما ركض الأب لاستقبال ابنه لم يقف لكي يبدل له ثيابه الرثة، إذ لا شيء من هذا القبيل يمنع الترحيب والتقبيل. والمحبة لا تؤخِّر التعبير عن نفسها في انتظار استكمال الإجراءات. وكل ما هنالك أنه قبل أن يدخل بيت أبيه ينبغي أن يلبس الثياب اللائقة بذلك البيت، قبل أن يتكئ مع أبيه علي المائدة يجب أن يكون مؤَّهلاً لها، وبذلك يتفادى تعيير الناس وشكوك نفسه من حيث قبوله أو تأهيله.

أبوه يصدر الأوامر ويعد لكل شيء عُدَّته. أما العبيد فإن حظهم في المشهد كله هو أن يلبسوا الابن المحبوب الحلة الأولي. وكانت في ذلك فرحتهم، إذ ما أسماه امتيازًا أن يشاركوا الأب مسرَّته، حتى قبل أن "ابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ". وهي وسيلة لطيفة يتعلَّمون بواسطتها قلب سَيِّدهم الكبير، ويدخلون إلي رحاب أفكاره النبيلة! ويا لها من خدمة مبتهجة أن يحوِّلوا هذا الضال القذر إلي ابن البيت رافلا في أغلى حلة!

لكن هناك إنسان لم يكن مُهيئًا لدخول الوليمة: الابن الأكبر. هو لا يختلف عن أخيه الأصغر. ففي دوره أظهر أنه لا يعرف أباه. لم يكن ينظر إلي نفسه إلا كمَنْ "يَخْدِمُه سِنِينَ هَذَا عَدَدُهَا"؛ وعلي مدى هذه السنين لم يعرفه! لكن محبة الأب تحتضن الكل، والصبر الذي تأنى على الضال حتى يرجع في مقدوره أن يحتمل بطء عدم الإيمان في الابن العنيد. خرج الأب الطيب يطلب إليه، وتجاوب كلماته المريرة بكل أدلة المحبة، ويريه كذلك مكانه الحقيقي في البيت. على أن حديث الابن الأكبر مع أبيه لم يكن إلا حديث مع سَيِّد قاسٍ، يكشف به عن دفائن قلبه، ويعلن أنه ليس إلا عبدًا متمردًا ناكر الجميل في وجدانه، لكن أباه يجيبه: "يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ". يا لقلب الله! ما ألطفه! ما أكثر حنانه!

كلي
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net